تحوّلت المقاطعة العالمية لإسرائيل إلى تيارٍ رئيسي بعد أن كانت حركة هامشية لسنوات. وأكد الكاتب ديفيد سميث أن سلسلة مطاعم Shouk في واشنطن، التي قدّمت طعامًا نباتيًا مستوحى من المطبخ الإسرائيلي، أغلقت أبوابها بعد حملات مقاطعة واسعة واتهامات بـ«الاستيلاء على المأكولات الفلسطينية». شارك في تأسيسها رجلان أحدهما إسرائيلي، وأكّد أن المطعم لم يكن سياسيًا، لكن تصاعد الغضب الشعبي جعل الاستمرار مستحيلًا.
توضح الجارديان أن الحرب في غزة، التي دخلت عامها الثاني، حطّمت الإجماع الدولي الذي كان يحمي إسرائيل من الضغوط الواسعة. الدعوات تتصاعد لمقاطعة الشركات والمنتجات الإسرائيلية، وحرمان إسرائيل من المشاركة في الأحداث الرياضية والثقافية، وقطع التعاون الأكاديمي معها. ومع تجاوز عدد الضحايا في غزة 67 ألفًا، واتهام لجنة خبراء تابعة للأمم المتحدة إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية، ازداد الاشمئزاز من سياساتها بشكل غير مسبوق.
تقول الصحيفة إن حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) اكتسبت زخمًا جديدًا. فبعد أن كانت مرفوضة سياسيًا في الولايات المتحدة، تواجه إسرائيل اليوم موجة رفضٍ عالمي شبيهة بالحملة ضد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. جيريمي بنآمي، رئيس جماعة J Street المؤيدة لإسرائيل، يرى أن هذا التحول الأكبر في الرأي العام الذي شهده طوال حياته، مؤكدًا أنه «ليس عداءً لليهود بل رفضٌ لحكومةٍ وسياساتٍ استبدادية عمرها عقود».
في مايو، وقّع 380 كاتبًا ومؤسسة أدبية من بينهم إيان ماكيوان وزادي سميث رسالة تصف حرب غزة بأنها «إبادة»، وتطالب بمقاطعة المؤسسات الثقافية الإسرائيلية. كما تعهد أكثر من 4500 عامل في صناعة السينما بمقاطعة المهرجانات والشركات الإسرائيلية «المتواطئة». ويستعد منظمو اليوروفيجن للتصويت على احتمال استبعاد إسرائيل من المسابقة، في خطوة قد تثير صدمة داخل المجتمع الإسرائيلي الذي يعتبرها رمزًا للفخر الوطني.
تضيف الجارديان أن فنانين عالميين من بيورك إلى ماسيڤ أتاك طالبوا بحظر بث موسيقاهم داخل إسرائيل، فيما يواجه الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) والاتحاد الأوروبي ضغوطًا لحظر الفرق الإسرائيلية. حملات مثل Game Over Israel رفعت لوحات في ميدان تايمز بنيويورك تصف إسرائيل بأنها «مرتكبة إبادة»، ودعت إلى مقاطعة فرقها الوطنية ومنع لاعبيها من المشاركة في البطولات.
المعارضون لهذه الحملات يعتبرونها عقابًا جماعيًا يضر بالأصوات الإسرائيلية المعارضة للحرب، لكن المنظمين يردّون بأن «العزلة هي الهدف»، لأنها تُظهر لإسرائيل أن العالم يرفض أفعالها. يقول آشيش براشار، أحد منظمي الحملات، إن «ما يجري في غزة هو العقاب الجماعي الحقيقي»، مضيفًا أن المقاطعة «أداة لمحاسبة دولة تمارس الإبادة».
تشير الصحيفة إلى أن تجربة جنوب أفريقيا تظل المثال الأقرب: الدولة جرى عزلها رياضيًا وثقافيًا واقتصاديًا حتى انهار نظامها العنصري. ويرى مؤرخون مثل جيريمي فارون أن المقاطعة الثقافية حينها لعبت دورًا حاسمًا في إنهاء الفصل العنصري.
اليوم، تواجه شركات عالمية مثل ماكدونالدز وستاربكس وكوكاكولا دعوات مقاطعة بسبب صلاتها بإسرائيل. رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حذّر الشهر الماضي من تزايد العزلة الاقتصادية ودعا إلى تحويل إسرائيل إلى «سوبر سبارتا» في الشرق الأوسط، أي دولة تعيش على القوة العسكرية في ظل الانعزال التجاري.
أما عمر البرغوثي، مؤسس حركة المقاطعة، فيقول إن «اللحظة الجنوب أفريقية اقتربت أكثر من أي وقت»، مشيرًا إلى أن الحركة بدأت تؤثر فعليًا في السياسات. ويضيف أن المقاطعة الثقافية تجاوزت الفنانين التقدميين لتصل إلى هوليوود وصناعة الموسيقى والموضة والطعام، مؤكدًا: «لم نشهد هذا الزخم من قبل».
لكن المقارنة مع جنوب أفريقيا ليست كاملة. فالحركة الفلسطينية تفتقر إلى قيادة سياسية موحدة مثل نيلسون مانديلا وحزب المؤتمر الوطني. كما أن إسرائيل أكثر اندماجًا في الاقتصاد العالمي، ما يجعل عزلها اقتصاديًا أصعب. ورغم تأثير المقاطعات الثقافية، فإن أوروبا ما زالت تشتري الأسلحة الإسرائيلية بكثافة.
تضيف الجارديان أن إسرائيل تمتلك دعمًا قويًا من الحكومات الغربية، خاصة واشنطن والإنجيليين الصهاينة، ما يمنحها مظلة تحميها من العزلة الكاملة. كما أنها تجد تعاطفًا من زعماء شعبويين حول العالم مثل دونالد ترامب وفيكتور أوربان.
ويقول الكاتب بيتر بينارت، أستاذ الصحافة في جامعة نيويورك، إن إسرائيل أصبحت نموذجًا يحتذي به قادة اليمين المتطرف في دول عدة، من مودي في الهند إلى حزب البديل لألمانيا. ويرى أن التحول في الرأي العام والثقافة واضح، لكن السؤال هو ما إذا كان هذا التحول سيُترجم إلى تغيّرٍ في السياسات والانتخابات، وهي – على حدّ قوله – «المعركة القادمة».
https://www.theguardian.com/world/2025/oct/11/israel-global-boycott